سورة طه - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى (56) قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكاناً سُوىً (58) قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى (60) قالَ لَهُمْ مُوسى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ وَقَدْ خابَ مَنِ افْتَرى (61)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا كُلَّها} 20: 56 أي المعجزات الدالة على نبوة موسى.
وقيل: حجج الله الدالة على توحيده. {فَكَذَّبَ وَأَبى} 20: 56 أي لم يؤمن. وهذا يدل على أنه كفر عنادا لأنه رأى الآيات عيانا لا خبرا. نظيره {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا}. قوله تعالى: {قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى} 20: 57 لما رأى الآيات التي أتاه بها موسى قال: إنها سحر، والمعنى: جئت لتوهم الناس أنك جئت بآية توجب اتباعك والايمان بك، حتى تغلب على أرضنا وعلينا. {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ} 20: 58 أي لنعارضنك بمثل ما جئت به ليتبين للناس أن ما أتيت به ليس من عند الله. {فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً} 20: 58 هو مصدر، أي وعدا.
وقيل: الموعد اسم لمكان الوعد، كما قال تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 43] فالموعد ها هنا مكان.
وقيل: الموعد اسم لزمان الوعد، كقوله تعالى: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} [هود: 81] فالمعنى: اجعل لنا يوما معلوما، أو مكانا معروفا. قال القشيري: والأظهر أنه مصدر ولهذا قال: {لا نُخْلِفُهُ} 20: 58 أي لا نخلف ذلك الوعد، والأخلاف أن يعد شيئا ولا ينجزه.
وقال الجوهري: والميعاد المواعدة والوقت والموضع وكذلك الموعد. وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة والأعرج: {لا نخلفه} بالجزم جوابا لقوله: {اجعل}. ومن رفع فهو نعت ل {مَوْعِدٌ} والتقدير: موعدا غير مخلف. {مَكاناً سُوىً} 20: 58 قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة {سوى} بضم السين. الباقون بكسرها، وهما لغتان مثل عدا وعدا وطوى وطوى. واختار أبو عبيد وأبو حاتم كسر السين لأنها اللغة العالية الفصيحة.
وقال النحاس: والكسر أعرف وأشهر. وكلهم نونوا الواو، وقد روي عن الحسن، واختلف عنه ضم السين بغير تنوين. واختلف في معناه فقيل: سوى هذا المكان، قاله الكلبي.
وقيل: مكانا مستويا يتبين للناس ما بيناه فيه، قاله ابن زيد. ابن عباس: نصفا. مجاهد: منصفا، وعنه أيضا وقتادة عدلا بيننا بينك.
وقال النحاس: واهل التفسير على أن معنى {سوى} نصف وعدل وهو قول حسن، قال سيبويه يقال: سوى وسوى أي عدل، يعني مكانا عدل، بين المكانين فيه النصفة، وأصله من قولك: جلس في سواء الدار بالمد أي في وسطها، ووسط كل شيء أعدله، وفي الحديث عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: {وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} أي عدلا، وقال زهير:
أرونا خطة لا ضيم فيها *** يسوي بيننا فيها السواء
وقال أبو عبيدة والقتبي: وسطا بين الفريقين، وأنشد أبو عبيدة لموسى بن جابر الحنفي:
وإن أبانا كان حل ببلدة *** سوى بين قيس قيس عيلان والفزر
والفزر: سعد بن زيد مناة بن تميم.
وقال الأخفش: {سوى} إذا كان بمعنى غير أو بمعنى العدل يكون فيه ثلاث لغات: إن ضممت السين أو كسرت قصرت فيهما جميعا. وإن فتحت مددت، تقول: مكان سوى وسوى وسواء، أي عدل ووسط فيما بين الفريقين. قال موسى بن جابر:
وجدنا أبانا كان حل ببلدة ***
البيت.
وقيل: {مَكاناً سُوىً 20: 58} أي قصدا، وأنشد صاحب هذا القول:
لو تمنت حبيبتي ما عدتني *** أو تمنيت ما عدوت سواها
وتقول: مررت برجل سواك وسواك وسوائك أي غيرك. وهما في هذا الامر سواء وإن شئت سواءان. وهم سواء للجميع وهم أسواء، وهم سواسية مثل ثمانية على غير قياس. وانتصب {مكانا} على المفعول الثاني ل {جعل}. ولا يحسن انتصابه بالموعد على أنه مفعول أو ظرف له، لان الموعد قد وصف، والأسماء التي تعمل عمل الافعال إذا وصفت أو صغرت لم ينبغ أن تعمل لخروجها عن شبه الفعل، ولم يحسن حمله على أنه ظرف وقع موقع المفعول الثاني، لان الموعد إذا وقع بعده ظرف لم تجره العرب مجرى المصادر مع الظروف، لكنهم يتسعون فيه كقوله تعالى: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} [هود: 81] و{مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ 20: 59}. واختلف في يوم الزينة، فقيل هو يوم عيد كان لهم يتزينون ويجتمعون فيه، قاله قتادة والسدي وغيرهما.
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: كان يوم عاشوراء.
وقال سعيد بن المسيب: يوم سوق كان لهم يتزينون فيها، وقاله قتادة أيضا.
وقال الضحاك: يوم السبت.
وقيل: يوم النيروز، ذكره الثعلبي.
وقيل: يوم يكسر فيه الخليج، وذلك أنهم كانوا يخرجون فيه يتفرجون ويتنزهون، وعند ذلك تأمن الديار المصرية من قبل النيل. وقرأ الحسن والأعمش وعيسى الثقفي والسلمى وهبيرة عن حفص {يوم الزينة} بالنصب. ورويت عن أبي عمرو، أي في يوم الزينة إنجاز موعدنا. والباقون بالرفع على أنه خبر الابتداء. {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} 20: 59 أي وجمع الناس، ف {- أَنْ} في موضع رفع على قراءة من قرأ: {يَوْمُ} بالرفع. وعطف {وَأَنْ يُحْشَرَ 20: 59} يقوي قراءة الرفع، لان {أَنْ} لا تكون ظرفا، وإن كان المصدر الصريح يكون ظرفا كمقدم الحاج، لان من قال: آتيك مقدم الحاج لم يقل آتيك أن يقدم الحاج. النحاس: وأولى من هذا أن يكون في موضع خفض عطفا على الزينة. والضحى مؤنثة تصغرها العرب بغير هاء لئلا يشبه تصغيرها ضحوة، قاله النحاس.
وقال الجوهري:
ضحوة النهار بعد طلوع الشمس، ثم بعده الضحا وهي حين تشرق الشمس، مقصورة تؤنث وتذكر، فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة، ومن ذكر ذهب إلى أنه اسم على فعل مثل صرد ونغر، وهو ظرف غير متمكن مثل سحر، تقول: لقيته ضحا، وضحا إذ أردت به ضحا يومك لم تنونه، ثم بعده الضحاء ممدود مذكر، وهو عند ارتفاع النهار الأعلى. وخص الضحا لأنه أول النهار، فلو امتد الامر فيما بينهم كان في النهار متسع.
وروى عن ابن مسعود والجحدري وغيرهما: {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى 20: 59} على معنى وأن يحشر الله الناس ونحوه. وعن بعض القراء {وأن تحشر الناس} والمعنى وأن تحشر أنت يا فرعون الناس وعن الجحدري أيضا {وأن نحشر} بالنون وإنما واعدهم ذلك اليوم ليكون علو كلمة الله، وظهور دينه، وكبت الكافر، وزهوق الباطل على رءوس الاشهاد، وفي المجمع الغاص لتقوى رغبة من رغب في الحق، ويكل حد المبطلين وأشياعهم، ويكثر المحدث بذلك الامر العلم في كل بدو وحضر، ويشيع في جمع أهل الوبر والمدر. قوله تعالى: {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ} 20: 60 أي حيله وسحره، والمراد جمع السحرة. قال ابن عباس: كانوا اثنين وسبعين ساحرا، مع كل ساحر منهم حبال وعصى.
وقيل: كانوا أربعمائة.
وقيل: كانوا اثنى عشر ألفا.
وقيل: أربعة عشرا ألفا.
وقال ابن المنكدر: كانوا ثمانين ألفا.
وقيل: كانوا مجتمعين على رئيس يقال له شمعون.
وقيل: كان اسمه يوحنا معه اثنا عشر نقيبا، مع كل نقيب عشرون عريفا، مع كل عريف ألف ساحر. وقيل كانوا ثلاثمائة ألف ساحر من الفيوم، وثلاثمائة ألف ساحر من الصعيد، وثلاثمائة ألف ساحر من الريف، فصاروا تسعمائة ألف وكان رئيسهم أعمى. {ثُمَّ أَتى} 20: 60 أي أتى الميعاد. {قالَ لَهُمْ مُوسى} أي قال لفرعون والسحرة {وَيْلَكُمْ} دعاء عليهم بالويل. وهو بمعنى المصدر.
وقال أبو إسحاق الزجاج: هو منصوب بمعنى ألزمهم الله ويلا. قال: ويجوز أن يكون نداء كقوله تعالى: {يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا} [يس: 52] {لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً} 20: 61 أي لا تختلقوا عليه الكذب، ولا تشركوا به، ولا تقولوا للمعجزات إنها سحر. {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ} 20: 61 من عنده أي يستأصلكم بالإهلاك.
يقال فيه: سحت وأسحت بمعنى. وأصله من استقصاء الشعر. وقرأ الكوفيون {فَيُسْحِتَكُمْ 20: 61} من أسحت، الباقون {فيسحتكم} من سحت وهذه لغة أهل الحجاز والأولى لغة بني تميم. وانتصب على جواب النهي.
وقال الفرزدق.
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع *** من المال إلا مسحتا أو مجلف
الزمخشري: وهذا بيت لا تزال الركب تصطك في تسوية إعرابه. {وقد خاب من افترى} أي خسر وهلك، وخاب من الرحمة والثواب من ادعى على الله ما لم يأذن به.


{فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى (62) قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى (64)}
قوله تعالى: {فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} 20: 62 أي تشاوروا، يريد السحرة. {وَأَسَرُّوا النَّجْوى} قال قتادة {قالُوا}: إن كان ما جاء به سحرا فسنغلبه، وإن كان من عند الله فسيكون له أمر، وهذا الذي أسروه. وقيل الذي أسروا قولهم {إِنْ هذانِ لَساحِرانِ 20: 63} الآيات قاله السدي ومقاتل. وقيل الذي أسروا قولهم: إن غلبنا اتبعناه، قاله الكلبي، دليله من ظهر من عاقبة أمرهم.
وقيل: كان سرهم أن قالوا حين قال لهم موسى {وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً 20: 61} [طه: 61]: ما هذا بقول ساحر. و{النَّجْوى} المنجاة يكون اسما ومصدرا، وقد تقدم في {النساء} بيانه.
قوله تعالى: {إِنْ هذانِ لَساحِرانِ} 20: 63 قرأ أبو عمرو {إن هذين لساحران}. ورويت عن عثمان وعائشة رضي الله عنهما وغيرهما من الصحابة، وكذلك قرأ الحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وغيرهم من التابعين، ومن القراء عيسى بن عمر وعاصم الجحدري، فيما ذكر النحاس. وهذه القراءة موافقة للأعراب مخالفة للمصحف. وقرأ الزهري والخليل بن أحمد والمفضل وأبان وابن محيصن وابن كثير وعاصم: في رواية حفص عنه {إِنْ هذانِ 20: 63} بتخفيف {إِنْ} {لَساحِرانِ} وابن كثير يشدد نون {هذان}. وهذه القراءة سلمت من مخالفة المصحف ومن فساد الاعراب، ويكون معناها ما هذان إلا ساحران. وقرأ المدنيون والكوفيون: {إن هذان} بتشديد {إن} {لَساحِرانِ 20: 63} فوافقوا المصحف وخالفوا الاعراب. قال النحاس: فهذه ثلاث قراءات قد رواها الجماعة عن الأئمة، وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قرأ {إن هذان إلا ساحران} وقال الكسائي في قراءة عبد الله: {إن هذان ساحران} بغير لام، وقال الفراء في حرف أبي {إن ذان إلا ساحران} فهذه ثلاث قراءات أخرى تحمل على التفسير لا أنها جائز أن يقرأ بها لمخالفتها المصحف. قلت: وللعلماء في قراءة أهل المدينة والكوفة ستة أقوال ذكرها ابن الأنباري في آخر كتاب الرد له، والنحاس في إعرابه، والمهدوي في تفسيره، وغيرهم أدخل كلام بعضهم في بعض. وقد خطأها قوم حتى قال أبو عمرو: إني لأستحي من الله تعالى أن أقرأ {إِنْ هذانِ 20: 63}.
وروى عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن قوله تعالى: {لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} ثم قال: {وَالْمُقِيمِينَ} وفي المائدة {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ} [المائدة: 69] و{إِنْ هذانِ لَساحِرانِ 20: 63} فقالت: يا ابن أختي! هذا خطأ من الكاتب.
وقال عثمان ابن عفان رضي الله عنه: في المصحف لحن وستقيمه العرب بألسنتهم.
وقال أبان بن عثمان: قرأت هذه الآية عند أبي عثمان بن عفان، فقال: لحن وخطأ، فقال له قائل: ألا تغيروه؟ فقال: دعوه فإنه لا يحرم حلالا ولا يحلل حرما. القول الأول من الأقوال الستة: أنها لغة بنى الحرث بن كعب وزبيد وخثعم. وكنانة بن زيد يجعلون رفع الاثنين ونصبه وخفضه بالألف، يقولون: جاء الزيدان ورأيت الزيدان ومررت بالزيدان، ومنه قوله تعالى: {وَلا أَدْراكُمْ بِهِ 10: 16} [يونس: 16] على ما تقدم. وأنشد الفراء لرجل من بني أسد- قال: وما رأيت أفصح منه:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى *** مساغا لناباه الشجاع لصمما
ويقولون: كسرت يداه وركبت علاه، بمعنى يديه وعليه، قال شاعرهم:
تزود منا بين أذناه ضربة *** دعته إلى هابي التراب عقيم
وقال آخر:
طاروا علاهن فطر علاها***
أي عليهن وعليها.
وقال آخر:
إن أباها وأبا أباها *** قد بلغا في المجد غايتاها
أي إن أبا أبيها وغايتها. قال أبو جعفر النحاس: وهذا القول من أحسن ما حملت عليه الآية، إذ كانت هذه اللغة معروفة، وقد حكاها من يرتضى بعلمه وأمانته، منهم أبو زيد الأنصاري، وهو الذي يقول: إذا قال سيبويه حدثني من أثق به فإنما يعنيني، وأبو الخطاب الأخفش وهو رئيس من رؤساء اللغة، والكسائي والفراء كلهم قالوا هذا على لغة بني الحرث بن كعب. وحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب أن هذه لغة بني كنانة. المهدوي: وحكى غيره أنها لغة لخثعم. قال النحاس ومن أبين ما في هذا قول سيبويه: وأعلم أنك إذا ثنيت الواحد زدت عليه زائدتين، الأولى منهما حرف مد ولين وهو حرف الاعراب، قال أبو جعفر فقول سيبويه: وهو حرف الاعراب، يوجب أن الأصل ألا يتغير، فيكون {إن هذان} جاء على أصله ليعلم ذلك، وقد قال تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ} [المجادلة: 19] ولم يقل استحاذ، فجاء هذا ليدل على الأصل، وكذلك {إن هذان} ولا يفكر في إنكار من أنكر هذه اللغة إذ كان الأئمة قد رووها. القول الثاني: أن يكون {إِنْ} بمعنى نعم، كما حكى الكسائي عن عاصم قال: العرب تأتي بـ {إن} بمعنى نعم، وحكى سيبويه أن {إن} تأتي بمعنى أجل، وإلى هذا القول كان محمد بن يزيد وإسماعيل بن إسحاق القاضي يذهبان، قال النحاس: ورأيت أبا إسحاق الزجاج وعلي بن سليمان يذهبان إليه. الزمخشري: وقد أعجب به أبو إسحاق. النحاس: وحدثنا علي بن سليمان، قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام النيسابوري، ثم لقيت عبد الله بن أحمد هذا فحدثني، قال حدثني عمير بن المتوكل، قال حدثنا محمد ابن موسى النوفلي من ولد حرث بن عبد المطلب، قال حدثنا عمر بن جميع الكوفي عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن علي- وهو ابن الحسين- عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين، قال: لا أحصي كم سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول على منبره: {إن الحمد لله نحمده ونستعينه} ثم يقول: {أنا أفصح قريش كلها وأفصحها بعدي أبان ابن سعيد بن العاص} قال أبو محمد الخفاف قال عمير: إعرابه عند أهل العربية والنحو {إن الحمد لله} بالنصب إلا أن العرب تجعل {إن} في معنى نعم كأنه أراد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نعم الحمد لله، وذلك أن خطباء الجاهلية كانت تفتتح في خطبها بنعم.
وقال الشاعر في معنى نعم:
قالوا غدرت فقلت إن وربما *** نال العلا وشفى الغليل الغادر
وقال عبد الله بن قيس الرقيات:
بكر العواذل في الصبا *** ح يلمنني وألومهنه
ويقلن شيب قد علا *** ك وقد كبرت فقلت إنه
فعلى هذا جائز أن يكون قول الله عز وجل: {إن هذان لساحران} بمعنى نعم ولا تنصب. قال النحاس: أنشدني داود بن الهيثم، قال أنشدني ثعلب:
ليت شعري هل للمحب شفاء *** من جوى حبهن إن اللقاء
قال النحاس: وهذا قول حسن إلا أن فيه شيئا لأنه إنما يقال: نعم زيد خارج، ولا تكاد تقع اللام ها هنا، وإن كان النحويون قد تكلموا في ذلك فقالوا: اللام ينوي بها التقديم، كما قال:
خالي لانت ومن جرير خاله *** ينل العلاء ويكرم الاخوالا
آخر:
أم الحليس لعجوز شهربه *** ترضى من الشاة بعظم الرقبه
أي لخالي ولام الحليس، وقال الزجاج: والمعنى في الآية إن هذان لهما ساحران ثم حذف المبتدأ. المهدوي: وأنكره أبو علي وأبو الفتح بن جني. قال أبو الفتح: {هما} المحذوف لم يحذف إلا بعد أن عرف، وإذا كان معروفا فقد استغنى بمعرفته عن تأكيده باللام، ويقبح أن تحذف المؤكد وتترك المؤكد. القول الثالث: قاله الفراء أيضا قال: وجدت الالف دعامة ليست بلام الفعل فزدت عليها نونا ولم أغيرها كما قلت: {الذي} ثم زدت عليه نونا فقلت: جاءني الذين عندك، ورأيت الذين عندك، ومررت بالذين عندك. القول الرابع: قاله بعض الكوفيين قال الالف في {هذان} مشبهة بالألف في يفعلان فلم تغير. القول الخامس: قال أبو إسحاق: النحويون القدماء يقولون الهاء ها هنا مضمرة، والمعنى إنه هذان لساحران، قال ابن الأنباري: فأضمرت الهاء التي هي منصوب {إِنْ} و{هذانِ 20: 63} خبر {إِنْ} و{ساحران} يرفعها {هما} المضمر والتقدير إنه هذان لهما ساحران. والأشبه عند أصحاب أهل هذا الجواب أن الهاء اسم {إِنْ} و{هذانِ} رفع بالابتداء وما بعده خبر الابتداء. القول السادس: قال أبو جعفر النحاس وسألت أبا الحسن بن كيسان عن هذه الآية، فقال: إن شئت أجبتك بجواب النحويين، وإن شئت أجبتك بقولي، فقلت: بقولك، فقال: سألني إسماعيل بن إسحاق عنها فقلت: القول عندي أنه لما كان يقال: {هذا} في موضع الرفع والنصب والخفض على حال واحدة، وكانت التثنية يجب ألا يغير لها الواحد أجريت التثنية مجرى الواحد فقال: ما أحسن هذا لو تقدمك أحد بالقول به حتى يؤنس به، قال ابن كيسان: فقلت له: فيقول القاضي به حتى يؤنس به، فتبسم.
قوله تعالى: {يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى} 20: 63 هذا من قول فرعون للسحرة، أي غرضهما إفساد دينكم الذي أنتم عليه، كما قال فرعون: {إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ 40: 26} [غافر: 26]. ويقال فلان حسن الطريقة أي حسن المذهب.
وقيل: طريقة القوم أفضل القول، وهذا الذي ينبغي أن يسلكوا طريقته ويقتدوا به، فالمعنى: ويذهبا بسادتكم ورؤسائكم، استمالة لهم. أو يذهبا ببني إسرائيل وهم الأماثل وإن كانوا خولا لكم لما يرجعون إليه من الانتساب إلى الأنبياء. أو يذهبا بأهل طريقتكم فحذف المضاف. و{الْمُثْلى 20: 63} تأنيث الأمثل، كما يقال الأفضل والفضلي. وأنث الطريقة على اللفظ، وإن كان يراد بها الرجال. ويجوز أن يكون التأنيث على الجماعة.
وقال الكسائي: {بِطَرِيقَتِكُمُ 20: 63} بسنتكم وسمتكم. و{الْمُثْلى 20: 63} نعت كقولك امرأة كبرى. تقول العرب: فلان على الطريقة المثلى يعنون على الهدى المستقيم. قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ} 20: 64 الإجماع الأحكام والعزم على الشيء. تقول: أجمعت الخروج وعلى الخروج أي عزمت. وقراءة كل الأمصار {فأجمعوا} إلا أبا عمرو فإنه قرأ: {فاجمعوا} بالوصل وفتح الميم. واحتج بقوله تعالى: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى 20: 60}. قال النحاس: وفيما حكي لي عن محمد بن يزيد أنه قال: يجب على أبي عمرو أن يقرأ بخلاف قراءته هذه، وهي القراءة التي عليها أكثر الناس. قال: لأنه احتج بـ {جمع} وقوله عز وجل: {فَجَمَعَ كَيْدَهُ} قد ثبت هذا فيبعد أن يكون بعده {فَأَجْمِعُوا} ويقرب أن يكون بعده {فأجمعوا} أي اعزموا وجدوا، ولما تقدم ذلك وجب أن يكون هذا بخلاف معناه. يقال: أمر مجمع ومجمع عليه. قال النحاس: ويصحح قراءة أبي عمرو {فاجمعوا} أي اجمعوا كل كيد لكم وكل حيلة فضموه مع أخيه. وقاله أبو إسحاق. الثعلبي: القراءة بقطع الالف وكسر الميم لها وجهان: أحدهما- بمعنى الجمع، تقول: أجمعت الشيء وجمعته بمعنى واحد، وفي الصحاح: وأجمعت الشيء جعلته جميعا، قال أبو ذؤيب يصف حمرا:
فكأنها بالجزع بين نبايع *** وأولات ذي العرجاء نهب مجمع
أي مجموع. والثاني- أنه بمعنى العزم والأحكام، قال الشاعر:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع *** هل أغدون يوما وأمري مجمع
أي محكم. {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} 20: 64 قال مقاتل والكلبي: جميعا.
وقيل: صفوفا ليكون أشد لهيبتكم. وهو منصوب بوقوع الفعل عليه على قول أبي عبيدة، قال يقال: أتيت الصف يعني المصلى، فالمعنى عنده ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه يوم العيد. وحكى عن بعض فصحاء العرب: ما قدرت أن آتي الصف، يعني المصلى.
وقال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى ثم ائتوا والناس مصطفون، فيكون على هذا مصدرا في موضع الحال. ولذلك لم يجمع. وقرى: {ثم ايتوا} بكسر الميم وياء. ومن ترك الهمزة أبدل من الهمزة ألفا. {وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى} 20: 64 أي من غلب. وهذا كله من قول السحرة بعضهم لبعض.
وقيل: من قول فرعون لهم.


{قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى (65) قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى (67) قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى (68) وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (70) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى (71)}
قوله تعالى: {قالُوا يا مُوسى} يريد السحرة. {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ} عصاك من يدك {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى} تأدبوا مع موسى فكان ذلك سبب إيمانهم. {قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ} 20: 66 في الكلام حذف، أي فألقوا، دل عليه المعنى. وقرأ الحسن: {وعصيهم} بضم العين. قال هارون القارئ: لغة بنى تميم {وعصيهم} وبها يأخذ الحسن. الباقون بالكسر اتباعا لكسرة الصاد. ونحوه دلي ودلي وقسي وقسي. {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى} 20: 66. وقرأ ابن عباس وأبو حيوة وابن ذكوان وروح عن يعقوب: {تخيل} بالتاء، وردوه إلى العصي والحبال إذ هي مؤنثة. وذلك أنهم لطخوا العصي بالزئبق، فلما أصابها حر الشمس ارتهشت واهتزت. قال الكلبي: خيل إلى موسى أن الأرض حيات وأنها تسعى على بطنها. وقرى: {تخيل} بمعنى تتخيل وطريقه طريق {تخيل} ومن قرأ {يخيل} بالياء رده إلى الكيد. وقرى {نخيل} بالنون على أن الله هو المخيل للمحنة والابتلاء.
وقيل: الفاعل. {أَنَّها تَسْعى} ف {- أن} في موضع رفع، أي يخيل إليه سعيها، قاله الزجاج. وزعم الفراء أن موضعها موضع نصب، أي بأنها ثم حذف الباء. والمعنى في الوجه الأول: تشبه إليه من سحرهم وكيدهم حتى ظن أنها تسعى.
وقال الزجاج: ومن قرأ بالتاء جعل {أن} في موضع نصب أي تخيل إليه ذات سعي. قال: ويجوز أن تكون في موضع رفع بدلا من الضمير في {تخيل} وهو عائد على الحبال والعصي، والبدل فيه بدل اشتمال. و{تَسْعى} معناه تمشي. قوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى} أي أضمر.
وقيل: وجد.
وقيل: أحس. أي من الحيات وذلك على ما يعرض من طباع البشر على ما تقدم.
وقيل: خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي عصاه.
وقيل: خاف حين أبطأ عليه الوحي بإلقاء العصا أن يفترق الناس قبل ذلك فيفتتنوا.
وقال بعض أهل الحقائق: إن كان السبب أن موسى عليه السلام لما التقى بالسحرة وقال لهم: {وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ 20: 61} التفت فإذا جبريل على يمينه فقال له يا موسى ترفق بأولياء الله. فقال موسى: يا جبريل هؤلاء سحرة جاءوا بسحر عظيم ليبطلوا المعجزة، وينصروا دين فرعون، ويردوا دين الله، تقول: ترفق بأولياء الله! فقال جبريل: هم من الساعة إلى صلاة العصر عندك، وبعد صلاة العصر في الجنة. فلما قال له ذلك، أوجس في نفس موسى وخطر أن ما يدريني ما علم الله في، فلعلي أكون الآن في حالة، وعلم الله في على خلافها كما كان هؤلاء. فلما علم الله ما في قلبه أوحى الله إليه {لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى 20: 68} أي الغالب لهم في الدنيا، وفي الدرجات العلا في الجنة، للنبوة والاصطفاء الذي أتاك الله به. واصل {خِيفَةً} خوفة فانقلبت الواو ياء لانكسار الخاء. قوله تعالى: {وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا} 20: 69 ولم يقل والق عصاك، فجائز أن يكون تصغيرا لها، أي لا تبال بكثرة حبالهم وعصيهم، والق العويد الفرد الصغير الجرم الذي في يمينك، فإنه بقدرة الله يتلقفها على وحدته وكثرتها، وصغره وعظمها. وجائز أن يكون تعظيما لها أي لا تحفل بهذه الأجرام الكثيرة الكبيرة فإن في يمينك شيئا أعظم منها كلها، وهذه على كثرتها أقل شيء وأنزره عندها، فألقه يتلقفها بإذن الله ويمحقها. و{تَلْقَفْ} بالجزم جواب الامر، كأنه قال: إن تلقه تتلقف، أي تأخذ وتبتلع. وقرأ السلمي وحفص: {تلقف} ساكنة اللام من لقف يلقف لقفا. وقرأ ابن ذكوان وأبو حيوة الشامي ويحيى بن الحرث {تلقف} بحذف التاء ورفع الفاء، على معنى فإنها تتلقف. والخطاب لموسى.
وقيل: للعصا. واللقف الأخذ بسرعة، يقال: لقفت الشيء {بالكسر} القفة لقفا، وتلقفته أيضا أي تناولته بسرعة. عن يعقوب: يقال رجل لقف ثقف أي خفيف حاذق. واللقف بالتحريك سقوط الحائط. ولقد لقف الحوض لقفا أي تهور من أسفله وأتسع. وتلقف وتلقم وتلهم بمعنى. وقد مضى في الأعراف. لقمت اللقمة بالكسر لقما، وتلقمتها إذا ابتلعتها في مهلة. وكذلك لهمه بالكسر إذا ابتلعه. {ما صنعوا} أي الذي صنعوه. وكذا {إِنَّما صَنَعُوا} أي إن الذي صنعوه {كَيْدُ} بالرفع {سحر} بكسر السين وإسكان الحاء، وهى قراءة الكوفيين إلا عاصما. وفية وجهان: أحدهما- أن يكون الكيد مضافا إلى السحر على الاتباع من غير تقدير حذف. والثاني- أن يكون في الكلام حذف أي كيد ذي سحر. وقرأ الباقون: {كيد} بالنصب بوقوع الصنع عليه و{ما} كافة ولا تضمر هاء {ساحِرٍ} بالإضافة. والكيد في الحقيقة على هذه القراءة مضاف للساحر لا للسحر. ويجوز فتح {أن} على معنى لان ما صنعوا كيد ساحر. {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى} 20: 69 أي لا يفوز ولا ينجو حيث أتى من الأرض.
وقيل: حيث احتال. وقد مضى في البقرة حكم الساحر ومعنى السحر فتأمله هناك. قوله تعالى: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً} 20: 70 لما رأوا من عظيم الامر وخرق العادة في العصا، فإنها ابتلعت جميع ما احتالوا به من الحبال والعصي، وكانت حمل ثلاثمائة بعير ثم عادت عصا لا يعلم أحد أين ذهبت الحبال والعصي إلا الله تعالى. وقد مضى في الأعراف هذا المعنى وأمر العصا مستوفى. {قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى. قالَ آمَنْتُمْ لَهُ} 20: 70- 71 أي به، يقال: آمن له وآمن به، ومنه {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} [العنكبوت: 26] وفي الأعراف {قال آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ}. إنكار منه عليهم، أي تعديتم وفعلتم ما لم آمركم به. {إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ}. أي رئيسكم في التعليم، وإنما غلبكم لأنه أحذق به منكم. وإنما أراد فرعون بقول هذا ليشبه على الناس حتى لا يتبعوهم فيؤمنوا كإيمانهم، وإلا فقد علم فرعون أنهم لم يتعلموا من موسى، بل قد علموا السحر قبل قدوم موسى وولادته. {فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} 20: 71 أي على جذوع النخل. قال سويد بن أبي كاهل:
هم صلبوا العبدي في جذع نخلة *** فلا عطست شيبان إلا بأجدعا
فقطع وصلب حتى ماتوا رحمهم الله تعالى. وقرأ ابن محيصن هنا وفي الأعراف {فَلَأُقَطِّعَنَّ 20: 71} {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ} بفتح الالف والتخفيف من قطع وصلب. {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَأَبْقى} 20: 71 يعني أنا أم رب موسى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8